لاطماع الصهيونية في المياة العربية
تحتل المياه حيزا رئيسيا في التفكير الاستراتيجي الصهيوني، لدرجة أنه يمكن تأكيد، ودونما أية مبالغة، أن هذه المسألة وفي أحيان كثيرة تقود وتوجه هذا التفكير الصهيوني. ولا غرو، فالمياه في الحياة، وكلما ندرت أو شحت – كما الحال في منطقتنا العربية – ازداد التفكير فيها وفي وسائل الحصول أو السيطرة عليها.
ودون الخوض في تفاصيل المشروع الاستيطاني الصهيوني في منطقتنا واستهدافاته المتعددة يسعنا هنا أن نؤكد أن هذا المشروع ارتبط منذ ولادته وفي مراحل نموه المختلفة ارتباطا وثيقا بالمياه توسعا وامتدادا، تخطيطا وتنفيذا. وكما قال احد الباحثين في هذا الموضوع "إن طبول حرب المياه قد دقت منذ أن خلق الفكر اليهودي المعاصر الصهيونية" وبهذا بدأت هذه الحرب التي لن تنتهي أبدا إلا بانتهاء الصهيونية من امتصاص عالمنا العربي بالكامل.
أدركت الصهيونية، ومنذ البدء، أهمية وحيوية المياه لمشروعها الاستيطاني إن أريد له النجاح استنادا إلى أمرين: أولهما: إن المشروع الصهيوني استيطانيا وزراعيا في أساسه، وذلك من ضمن السعي لربط اليهودي بالأرض، الأمر الذي لا يتأتى إلا من خلال الزراعة، مما يعني ضرورة توفير أو وضع اليد على مصادر المياه الحيوية الكافية لتلبية المشاريع والمستوطنات الزراعية، لذلك رأينا الأفواج الأولى من التسلل اليهودي إلى فلسطين تتجه - وبناءا على التوجيه الصهيوني - نحو الأماكن التي تكثر فيها المياه، وتكون إما صالحة للزراعة أو قابلة للاستصلاح الزراعي.
ثانيهما: إن الهدف المعلن للمشروع الاستيطاني كان تجميع شتات يهود العالم في فلسطين، وقد جاء ذكر الفقرة الثانية من قرارات المؤتمر الصهيوني الأول فيما يتعلق بمساحة الدولة اليهودية وحدودها الجغرافية المراد إنشائها، أن تكون كافية لاستيعاب خمسة عشر مليونا يهودي، الأمر الذي يستدعي ضرورة توفير المياه اللازمة لتلبية الحاجات المختلفة منها لهذا الكم البشري، علما بأن موارد فلسطين الذاتية من الماء زهيدة نسبيا ولا تستطيع أن تسد الحاجة المائية لهذا العدد الضخم من السكان.
ولا يعقل أن تكون الصهيونية وهي تفكر في إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين قد غفلت عن عجز الطاقة المائية في تلبية متطلبات مشروعهم الاستيطاني. فلابد والحال هذه أن يكون قادة الصهاينة قد وضعوا في اعتبارهم السيطرة على موارد مائية من خارج فلسطين كيما يصبح ممكنا انجاز مشروعهم.
ويجدر بنا هنا أن نوضح نقطتين:
أولا: إننا عندما نتحدث عن تاريخ أطماع الصهيونية في المياه العربية، فإننا لا نتحدث عن تاريخ مضى وانقضى، أو عن حدث تاريخي طواه الزمن، وإنما نتحدث عن مشروع وضع في وقت مبكر وما زال قيد التنفيذ، منه ما أنجز ومنه ما ينتظر. ولعلنا لا نخرج كثيرا عن السياق إذا أوردنا جملة حاييم وايزمن الشهيرة في حينه عندما قال "النقب لن يهرب"، وبالفعل حصلوا عليه فيما بعد، وقياسا على هذا القول، فان ما حققوه من سيطرة حالية على مياه عربية لا ينفي أطماعا متتالية أخرى وفق مبدأ (النقب لن يهرب) أي ما لم يتحقق بسبب ظرف ووضع معين سيتحقق في ظرف أخر.
ثانيا: هناك إشكالية في فهم مدلول عبارة (أطماع الصهيونية في المياه العربية)، حيث يفهم من هذه العبارة أنها تشير إلى المطامع الصهيونية في المياه التي تقع خارج حدود الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في سنة 1948، ويكأن المياه الواقعة داخل حدود 1948 مياه إسرائيلية لا تدخل ضمن المطامع الصهيونية، في حين أن تلك المياه كانت ضمن المخطط الصهيوني المستهدف، فهي مياه مسروقة من الشعوب العربية.
بعض الباحثين يعيد أطماع الصهيونية في المياه العربية إلى العهد التوراتي القديم، ويرى جذور هذه الأطماع موجودة في تعاليم التوراة والتلمود، وثمة من يذهب إلى أن اليهود وضعوا- ومنذ القدم – نصب أعينهم هدف السيطرة على ارض ومياه بلاد الشام، وان ضرورة الوصول إلى النيل والفرات والسيطرة عليهما هم من ناحية اليهود (واجب ديني).
وثمة من يستنبط هذه الإطماع من خلال العلم الصهيوني، حيث يشار إلى الخطين الأزرقين على أنهما النيل والفرات.
الإطماع الصهيونية في النيل المصري:
تعود أول الأطماع المعبر عنها في مياه النيل إلى مطلع القرن الماضي وبالتحديد عام 1902، ففي سعي هرتزل الحثيث للوصول إلى فلسطين اقترح في ذلك العام على الحكومة البريطانية، كخطوة أولية نحو فلسطين، فكرة توطين اليهود في سيناء، وأرفق اقتراحه بفكرة الاستفادة من مياه النيل، وتم إرسال بعثة استكشافية صهيونية إلى مصر لدراسة الفكرة على ارض الواقع.
ولتوفير المياه اللازمة لهذا المشروع، ورد اقتراح تحويل مياه النيل إلى سيناء من ترعة الإسماعيلية عبر أنابيب تمر من تحت قناة السويس لتصل إلى الأجزاء الشمالية الغربية من المنطقة المختارة للاستيطان، وقد قدر حينها أن معدل المياه المطلوبة من النيل تبلغ نحو أربعة ملايين متر مكعب يوميا، ولإقناع المعتمد البريطاني في مصر اللورد كرومر بهذه الفكرة قلل الصهاينة من كمية المياه التي يرغبون في سحبها من مياه النيل.
يقول هرتزل مخاطبا كرومر في 25 آذار 1902 "إننا بحاجة إلى مياه الشتاء الزائدة التي تجري عائدة إلى البحر ولا يستفاد منها". ولقد وافقت الحكومة البريطانية في حينه على هذه الفكرة، إلا أنها عادت فرفضتها لأسباب عديدة، وحفظ المشروع في الأدراج الصهيونية غير انه لم يمت. وعادت هذه الفكرة إلى الظهور في أواخر السبعينات وتحديدا في الشهر التاسع من عام 1978 على شكل مشروع قدمه المهندس الصهيوني (اليشع كالي ) على صفحات جريدة معاريف العبرية في مقال بعنوان "مياه السلام" وعرض فيه مشروعا متكاملا للتعاون في نقل مياه النيل واستغلالها في سيناء وغزة والنقب.
وقد أكد المستوى الرسمي الصهيوني هذه الفكرة على لسان اسحق موداعي وزير الطاقة الإسرائيلي في عام 1979. فقد أوردت صحيفة الفجر المقدسية تصريحا له في 05/01/1979 قال فيه "إن انهار الليطاني والنيل واليرموك، يجب أن تدخل ضمن إطار خارطة الطاقة في الشرق الأوسط، ويجب إحياء سيناء بواسطة النيل". وعلى نفس النغمة أكد اليعيزر افتاي رئيس لجنة المياه في الكنيست في 19/10/1981 "انه يتوجب على إسرائيل أن تطالب مصر في إطار تطبيع العلاقات معها بتحقيق العرض القديم بتحويل مياه النيل إلى النقب، فليس من المعقول أن تصب مياه النيل اليوم في البحر بينما إسرائيل حائرة تتخبط بمشاكل نقص المياه".
ويؤكد الباحث المصري الدكتور حسن بكر "أن لإسرائيل مطامع في مياه النيل تعود إلى بداية هذا القرن، إذ أن دوائر البحث الإسرائيلية ترى في نهر النيل المصدر الذي سيحل مشكلتها المائية في المستقبل، الأمر الذي يجعلها تولي عناية خاصة لكل من مصر وإثيوبيا في هذا المضمار".
ويؤكد الباحث أن هذه الفكرة عادت للظهور في الصحف الإسرائيلية بمناسبة مؤتمر (ارماند هامر) للتعاون الاقتصادي في الشرق الأوسط الذي افتتح في جامعة تل أبيب، وقد عرض في المؤتمر ورقة عمل تقوم على مشروع نقل مياه النيل من مصر إلى صحراء سيناء إلى قطاع غزة والنقب.
ونؤكد هنا أن الحلم الصهيوني لن يموت أبدا بالاستيلاء على مياه النيل. فالنقب بمساحته الشاسعة، كان التحدي الأكبر لليهود في فلسطين، وكثيرا ما كان بن جوريون يردد إن بقاء الدولة اليهودية رهن بازدهار النقب وإحياءه،. لذا، فقد اختاره مكانا لإقامته. ورغم محاولات اليهود لتزويده بالمياه اللازمة عبر مختلف المشاريع المائية، وأهمها مشروع (المياه القطري)، فانه مازال بحاجة إلى المزيد من الموارد المائية التي يصعب توفيرها إلا عبر النيل وفق الرؤية الصهيونية، وإذا أرادت مصر أن تثبت رغبتها في السلام حقا، فلا يكون ذلك، وفق المنطق الصهيوني إلا بالتنازل عن مياها.
الإطماع الصهيونية في الليطاني اللبناني:
حين سال إمبراطور ألمانيا هرتزل عن مساحة الأرض التي ترغب الحركة الصهيونية فيها، أجابه الأخير "إن هذا يتوقف على عدد المهاجرين اليهود الذين ستتمكن الصهيونية من حشدهم فيها" فكلما ازداد عددهم، اتسعت مساحة الرقعة المطلوبة.
ولكن بعيدا عن هذه الشهية الصهيونية التوسعية المنفتحة النابعة من جوهر المشروع الصهيوني، فان أسبابا محددة أخرى تقف وراء محاولاتهم مد حدود الدولة المرغوبة إلى حدود فلسطين، فأنظارهم تتجه نحو الشمال إلى نهر الليطاني. يبلغ طول الليطاني من منبعه بالقرب من بعلبك إلى مصبه في البحر المتوسط شمال مدينة صور نحو 170كم ويقدر تصريفه السنوي بنحو 800 مليون متر مكعب.
وكانت أولى المحاولات الصهيونية للاستحواذ على مياه الليطاني في التصريح الذي قدمته المنظمة الصهيونية إلى مؤتمر الصلح الذي انعقد في الشهر الثاني من عام 1919. حيث جاء فيه "إن حدود فلسطين يجب أن تسير وفقا للخطوط العامة المذكورة أدناه: تبدأ في الشمال عند نقطة على شاطئ البحر المتوسط بجوار مدينة صيدا وتتبع مفارق المياه عند تلال سلسلة جبال لبنان حتى تصل إلى جسر القرعون، فتتجه إلى البيرة متبعة الخط الفاصل بين حوض وادي القرن والمنحدرات الشرقية والغربية بجبل الشيخ (الحرمون)" وجاء ضمن التصريح نفسه "كما يجب التوصل إلى اتفاق دولي تحمى بموجبه حقوق المياه للشعب القاطن جنوب نهر الليطاني".
يتضح مما سبق أن المطامع الصهيونية في الليطاني قديمة الأزل، ويقتضي هذا الحال السيطرة على وادي الليطاني. وفي 18/04/1972 نشرت صحيفة معاريف العبرية وثيقة سرية كان بن جوريون قد أعدها عام 1941، ويحدد فيها الحدود المطلوبة لدولتهم كما يلي: "إن حدود الدولة اليهودية المراد إنشاؤها تشمل شرق الأردن وأراضي النقب القاحلة، كذلك مياه نهري الأردن والليطاني يجب أن تكون مشمولة داخل حدودنا".
وفي عام 2003 عرضت شركة يهودية على الرئيس اللبناني طلب منحها امتياز استغلال المياه اللبنانية بما في ذلك نهر الليطاني لتزويد الأراضي اللبنانية بالمياه والكهرباء، ونقل الفائض منها إلى فلسطين، إلا انه رفض العرض. وبعد حرب الأيام الستة مباشرة صرح ليفي اشكول رئيس الوزراء في مقابلة صحفية مع صحيفة اللوموند الفرنسية "إن إسرائيل لا تستطيع ان تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى مياه الليطاني تذهب هدرا إلى البحر، وان القنوات في إسرائيل أصبحت جاهزة لاستقباله".
وقد وقفت الصهيونية بكل تحد أمام كل المشاريع التي تم طرحها على الحكومة اللبنانية لبناء السدود والمشاريع الإنمائية الأخرى على الليطاني.
علما بان قانون مصلحة الليطاني اللبناني اقر منذ عام 1954 دراسات علمية للاستفادة من الليطاني الاستفادة المثلى إلا أن هذه الدراسات وللأسف الشديد ضلت طي الإدراج. وقد صرح أكثر من مسئول لبناني إن التهديد الإسرائيلي المستمر هو الذي يحول دون تنفيذ المشاريع الإنمائية لنهر الليطاني.
الإطماع الصهيونية في نهر الأردن واليرموك:
لم يكن نهري الأردن واليرموك بأحسن حظا من نهر الليطاني، فهما يحتلان المرتبة الأولى للموارد المائية الصهيونية وذلك لعدة أسباب. فهما يقعان ضمن المنطقة الحدودية لدولة إسرائيل كما جاء في التصريح السابق. وأضف إلى ذلك بان الصهيونية ترى أن نهر الأردن وسهل حوران حق شرعي للدولة اليهودية يجب أن يمنحا لليهود. وقد جاء ضمن المذكرة الصهيونية "إن السهول الخصبة الواقعة إلى الشرق من نهر الأردن كانت منذ العهد التوراتي القديم مرتبطة دينيا وسياسيا واقتصاديا بالأراضي الوقعة غربي الأردن".
في عام 1884 قام الصهاينة كخطوة للسيطرة على نهر اليرموك بشراء ارض بمساحة 100 ألف دونم في جنوب سوريا، يشرف بعضها على المجرى الأعلى والأوسط لليرموك وتقع قريبة منه، وأقاموا هناك أول مستعمرة لهم قرب سحم الجولان باسم (تفئيرت بنيامين) ولكن هذه المحاولة ولأسباب عديدة فشلت في السيطرة على مياه اليرموك، ولكنها دلالة قديمة العهد على الإطماع الصهيونية.
يؤكد بن جوريون في عام 1920 ضمن رسالة منه إلى حزب العمل البريطاني "من الضروري ألا تكون مصادر المياه التي يعتمد عليها مستقبل البلاد خارج حدود الوطن القومي في المستقبل، فسهول حوران التي هي بحق جزء من البلاد، يجب إلا تنسلخ عنها، ولهذا السبب طالبنا دائما بأن تشمل ارض إسرائيل الضفاف الجنوبية لنهر الليطاني وإقليم حوران حتى اللجاة جنوب دمشق وجميع الأنهار التي تجري من الشرق إلى الغرب أو من الشمال إلى الجنوب.
إن انهار ارض إسرائيل هي الأردن الليطاني واليرموك، والبلاد بحاجة إلى هذه المياه". وفي سبتمبر من العام نفسه اتخذت الإدارة الصهيونية قرارا جاء فيه "يصر سكان فلسطين بالإجماع على أن تشمل الحدود الشمالية القسم الأسفل من الليطاني وكل منطقة وادي الأردن وروافده ومجاريه، ويطلبون من المندوب السامي البريطاني اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك".
وعندما فشلت الصهيونية في إقناع بريطانيا ضم شرق الأردن ومياهه في وعد بلفور لجأت إلى أساليب أخرى لتحقيق هذه الغاية . ففي عام 1926 وضعت يدها على نهر الأردن وذلك من خلال ما يعرف باسم "مشروع روتنبرج" ففي ذلك العام وافقت حكومة الانتداب على منح "شركة كهرباء فلسطين" التي يملكها اليهودي الروسي بنحاس روتنبرج حق استخدام كل موارد المياه على ضفتي الأردن لتوليد الكهرباء.
وقد أعطي هذا الامتياز لمدة 70 عاما. ومن ضمن ما نص عليه هذا الامتياز حرمان أي جهة من استخدام المياه في منطقة المشروع ولأي غرض إلا بموافقة الشركة. وعلى جراء هذا الحدث أصبح روتنبرج عام 1929 رئيسا للمجلس الوطني اليهودي في فلسطين. وقد كان هربرت صموئيل المندوب السامي البريطاني لفلسطين أول مدير لشركة كهرباء فلسطين، وقد ظلت الشركة تمارس حق هذا الامتياز حتى الحرب العربية-الإسرائيلية عام 1948. في عام 1946 اقترح ايونيدس ضمن مشروعه المائي تخزين فائض اليرموك في طبرية. (علما بان اليهود كانوا يخططون لان تكون طبرية ضمن حدودهم الإقليمية).
أما لودرميلك فقد قدم مشروعه المعروف باسمه بناءا على طلب الوكالة الصهيونية وأجمله في كتاب اسماه "ارض الميعاد". واقترح فيه تحويل مياه الأردن الأعلى ونهر اليرموك ووادي الزرقا لامتداد سفوح الوادي ومرج بني عامر وبيسان والجليل وبئر السبع والنقب. وخرج بتوصية قذرة جدا تنص على انه "وإذا وجد العرب انه من غير المستحب لهم السكن في ارض مصنعة، فسوف يتمكنون بسهولة الإقامة في السهل الرسوبي العظيم لوادي دجلة والفرات" وهذا يدل في طياته نظرة الاستحقار العظيمة التي يكنها للعرب اجمع.
وقد تلاه مباشرة مشروع هيس عام 1948 والذي لم يحد عن الخطوط العامة لمشروع لودرميلك بل كان بمنزلة البرنامج التنفيذي للمشروع. ان جميع هذه المشاريع التي تسعى لإمداد الدولة اليهودية بالموارد المائية اللازمة لإقامة الدولة اليهودية المتفق عليها ما كانت لتقوم لها قائمة إلا بدعم وإيحاء بريطاني-أمريكي، وليس أدل على هذا مما قاله الصهيوني العالمي همانوئيل ينومان رئيس لجنة مسح أراضي فلسطين في تقريره عام 1948 انه "لمن حسن الحظ أن الذين كانوا مسئولين عن وضع تفاصيل مشروع التقسيم كانوا على علم ومعرفة بوجهات نظر لودرميلك، وأنهم اتخذوه لحد بعيد قاعدة بنوا على أساسها حدود المناطق العربية واليهودية".
وقد غدا الكيان الصهيوني اقدر من ذي قبل على استغلال والسيطرة على المياه الأردنية بعد عام 1967 نظرا لاتساع الأراضي المحتلة، فأصبح بمقدوره الوقوف وبحزم أمام كل فرصة سانحة للدول العربية في استغلال هذه المياه. وهذا ما أكدته لجنة الشؤون العربية في البرلمان المصري في تقرير لها بهذا الشأن إذ جاء فيه "إن إسرائيل حسنت موقفها المائي من خلال احتلالها مرتفعات الجولان والضفة الغربية، وان احتلال الجولان جعل من المستحيل على الدول العربية تحويل مياه وروافد نهر الأردن. واستطاعت إسرائيل أن تتحكم في حوالي نصف طول نهر اليرموك مقارنة بحوالي 10كم فقط قبل الحرب. وهو ما أدى إلى جعل تنمية نهر الأردن رهنا بقبضة إسرائيل".
ونورد تصريح مفوض المياه الصهيوني تسميح شاي عام 1987 تعقيبا على المشروع الأردني السوري لإنشاء سد الوحدة. إذ قال "إن إسرائيل بحاجة إلى 50 مليون متر مكعب من مياه اليرموك في فصلي الشتاء والربيع و25 متر مكعب في فصل الصيف، حيث تقوم بتحويل هذه المياه إلى بحيرة طبرية لرفع منسوب المياه فيها بسبب شدة التبخر، وتخطط للسيطرة على (80 - 90) مليون متر مكعب من المياه عام 1991، وإذا قامت سوريا والأردن بإنشاء سد الوحدة على نهر اليرموك فان ذلك سيعيق تنفيذ المخطط الإسرائيلي".
ختاما نجد أن الكيان الصهيوني سيقف بقوة وحزم أمام أي فرصة إنمائية تبادر إليها الشعوب العربية المحيطة بها لاستغلال مواردها المائية، ويجب أن تقوم هذه الدول بإجراء التعاون المتبادل فيما بينها بشكل خاص وبين الدول العربية كافة بشكل عام لتوفير المشاريع الإنمائية المائية اللازمة لاستغلال المياه العربية، وسعيا لإحباط المخططات الصهيونية في المنطقة.// منقول للاستفادة
تحتل المياه حيزا رئيسيا في التفكير الاستراتيجي الصهيوني، لدرجة أنه يمكن تأكيد، ودونما أية مبالغة، أن هذه المسألة وفي أحيان كثيرة تقود وتوجه هذا التفكير الصهيوني. ولا غرو، فالمياه في الحياة، وكلما ندرت أو شحت – كما الحال في منطقتنا العربية – ازداد التفكير فيها وفي وسائل الحصول أو السيطرة عليها.
ودون الخوض في تفاصيل المشروع الاستيطاني الصهيوني في منطقتنا واستهدافاته المتعددة يسعنا هنا أن نؤكد أن هذا المشروع ارتبط منذ ولادته وفي مراحل نموه المختلفة ارتباطا وثيقا بالمياه توسعا وامتدادا، تخطيطا وتنفيذا. وكما قال احد الباحثين في هذا الموضوع "إن طبول حرب المياه قد دقت منذ أن خلق الفكر اليهودي المعاصر الصهيونية" وبهذا بدأت هذه الحرب التي لن تنتهي أبدا إلا بانتهاء الصهيونية من امتصاص عالمنا العربي بالكامل.
أدركت الصهيونية، ومنذ البدء، أهمية وحيوية المياه لمشروعها الاستيطاني إن أريد له النجاح استنادا إلى أمرين: أولهما: إن المشروع الصهيوني استيطانيا وزراعيا في أساسه، وذلك من ضمن السعي لربط اليهودي بالأرض، الأمر الذي لا يتأتى إلا من خلال الزراعة، مما يعني ضرورة توفير أو وضع اليد على مصادر المياه الحيوية الكافية لتلبية المشاريع والمستوطنات الزراعية، لذلك رأينا الأفواج الأولى من التسلل اليهودي إلى فلسطين تتجه - وبناءا على التوجيه الصهيوني - نحو الأماكن التي تكثر فيها المياه، وتكون إما صالحة للزراعة أو قابلة للاستصلاح الزراعي.
ثانيهما: إن الهدف المعلن للمشروع الاستيطاني كان تجميع شتات يهود العالم في فلسطين، وقد جاء ذكر الفقرة الثانية من قرارات المؤتمر الصهيوني الأول فيما يتعلق بمساحة الدولة اليهودية وحدودها الجغرافية المراد إنشائها، أن تكون كافية لاستيعاب خمسة عشر مليونا يهودي، الأمر الذي يستدعي ضرورة توفير المياه اللازمة لتلبية الحاجات المختلفة منها لهذا الكم البشري، علما بأن موارد فلسطين الذاتية من الماء زهيدة نسبيا ولا تستطيع أن تسد الحاجة المائية لهذا العدد الضخم من السكان.
ولا يعقل أن تكون الصهيونية وهي تفكر في إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين قد غفلت عن عجز الطاقة المائية في تلبية متطلبات مشروعهم الاستيطاني. فلابد والحال هذه أن يكون قادة الصهاينة قد وضعوا في اعتبارهم السيطرة على موارد مائية من خارج فلسطين كيما يصبح ممكنا انجاز مشروعهم.
ويجدر بنا هنا أن نوضح نقطتين:
أولا: إننا عندما نتحدث عن تاريخ أطماع الصهيونية في المياه العربية، فإننا لا نتحدث عن تاريخ مضى وانقضى، أو عن حدث تاريخي طواه الزمن، وإنما نتحدث عن مشروع وضع في وقت مبكر وما زال قيد التنفيذ، منه ما أنجز ومنه ما ينتظر. ولعلنا لا نخرج كثيرا عن السياق إذا أوردنا جملة حاييم وايزمن الشهيرة في حينه عندما قال "النقب لن يهرب"، وبالفعل حصلوا عليه فيما بعد، وقياسا على هذا القول، فان ما حققوه من سيطرة حالية على مياه عربية لا ينفي أطماعا متتالية أخرى وفق مبدأ (النقب لن يهرب) أي ما لم يتحقق بسبب ظرف ووضع معين سيتحقق في ظرف أخر.
ثانيا: هناك إشكالية في فهم مدلول عبارة (أطماع الصهيونية في المياه العربية)، حيث يفهم من هذه العبارة أنها تشير إلى المطامع الصهيونية في المياه التي تقع خارج حدود الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في سنة 1948، ويكأن المياه الواقعة داخل حدود 1948 مياه إسرائيلية لا تدخل ضمن المطامع الصهيونية، في حين أن تلك المياه كانت ضمن المخطط الصهيوني المستهدف، فهي مياه مسروقة من الشعوب العربية.
بعض الباحثين يعيد أطماع الصهيونية في المياه العربية إلى العهد التوراتي القديم، ويرى جذور هذه الأطماع موجودة في تعاليم التوراة والتلمود، وثمة من يذهب إلى أن اليهود وضعوا- ومنذ القدم – نصب أعينهم هدف السيطرة على ارض ومياه بلاد الشام، وان ضرورة الوصول إلى النيل والفرات والسيطرة عليهما هم من ناحية اليهود (واجب ديني).
وثمة من يستنبط هذه الإطماع من خلال العلم الصهيوني، حيث يشار إلى الخطين الأزرقين على أنهما النيل والفرات.
الإطماع الصهيونية في النيل المصري:
تعود أول الأطماع المعبر عنها في مياه النيل إلى مطلع القرن الماضي وبالتحديد عام 1902، ففي سعي هرتزل الحثيث للوصول إلى فلسطين اقترح في ذلك العام على الحكومة البريطانية، كخطوة أولية نحو فلسطين، فكرة توطين اليهود في سيناء، وأرفق اقتراحه بفكرة الاستفادة من مياه النيل، وتم إرسال بعثة استكشافية صهيونية إلى مصر لدراسة الفكرة على ارض الواقع.
ولتوفير المياه اللازمة لهذا المشروع، ورد اقتراح تحويل مياه النيل إلى سيناء من ترعة الإسماعيلية عبر أنابيب تمر من تحت قناة السويس لتصل إلى الأجزاء الشمالية الغربية من المنطقة المختارة للاستيطان، وقد قدر حينها أن معدل المياه المطلوبة من النيل تبلغ نحو أربعة ملايين متر مكعب يوميا، ولإقناع المعتمد البريطاني في مصر اللورد كرومر بهذه الفكرة قلل الصهاينة من كمية المياه التي يرغبون في سحبها من مياه النيل.
يقول هرتزل مخاطبا كرومر في 25 آذار 1902 "إننا بحاجة إلى مياه الشتاء الزائدة التي تجري عائدة إلى البحر ولا يستفاد منها". ولقد وافقت الحكومة البريطانية في حينه على هذه الفكرة، إلا أنها عادت فرفضتها لأسباب عديدة، وحفظ المشروع في الأدراج الصهيونية غير انه لم يمت. وعادت هذه الفكرة إلى الظهور في أواخر السبعينات وتحديدا في الشهر التاسع من عام 1978 على شكل مشروع قدمه المهندس الصهيوني (اليشع كالي ) على صفحات جريدة معاريف العبرية في مقال بعنوان "مياه السلام" وعرض فيه مشروعا متكاملا للتعاون في نقل مياه النيل واستغلالها في سيناء وغزة والنقب.
وقد أكد المستوى الرسمي الصهيوني هذه الفكرة على لسان اسحق موداعي وزير الطاقة الإسرائيلي في عام 1979. فقد أوردت صحيفة الفجر المقدسية تصريحا له في 05/01/1979 قال فيه "إن انهار الليطاني والنيل واليرموك، يجب أن تدخل ضمن إطار خارطة الطاقة في الشرق الأوسط، ويجب إحياء سيناء بواسطة النيل". وعلى نفس النغمة أكد اليعيزر افتاي رئيس لجنة المياه في الكنيست في 19/10/1981 "انه يتوجب على إسرائيل أن تطالب مصر في إطار تطبيع العلاقات معها بتحقيق العرض القديم بتحويل مياه النيل إلى النقب، فليس من المعقول أن تصب مياه النيل اليوم في البحر بينما إسرائيل حائرة تتخبط بمشاكل نقص المياه".
ويؤكد الباحث المصري الدكتور حسن بكر "أن لإسرائيل مطامع في مياه النيل تعود إلى بداية هذا القرن، إذ أن دوائر البحث الإسرائيلية ترى في نهر النيل المصدر الذي سيحل مشكلتها المائية في المستقبل، الأمر الذي يجعلها تولي عناية خاصة لكل من مصر وإثيوبيا في هذا المضمار".
ويؤكد الباحث أن هذه الفكرة عادت للظهور في الصحف الإسرائيلية بمناسبة مؤتمر (ارماند هامر) للتعاون الاقتصادي في الشرق الأوسط الذي افتتح في جامعة تل أبيب، وقد عرض في المؤتمر ورقة عمل تقوم على مشروع نقل مياه النيل من مصر إلى صحراء سيناء إلى قطاع غزة والنقب.
ونؤكد هنا أن الحلم الصهيوني لن يموت أبدا بالاستيلاء على مياه النيل. فالنقب بمساحته الشاسعة، كان التحدي الأكبر لليهود في فلسطين، وكثيرا ما كان بن جوريون يردد إن بقاء الدولة اليهودية رهن بازدهار النقب وإحياءه،. لذا، فقد اختاره مكانا لإقامته. ورغم محاولات اليهود لتزويده بالمياه اللازمة عبر مختلف المشاريع المائية، وأهمها مشروع (المياه القطري)، فانه مازال بحاجة إلى المزيد من الموارد المائية التي يصعب توفيرها إلا عبر النيل وفق الرؤية الصهيونية، وإذا أرادت مصر أن تثبت رغبتها في السلام حقا، فلا يكون ذلك، وفق المنطق الصهيوني إلا بالتنازل عن مياها.
الإطماع الصهيونية في الليطاني اللبناني:
حين سال إمبراطور ألمانيا هرتزل عن مساحة الأرض التي ترغب الحركة الصهيونية فيها، أجابه الأخير "إن هذا يتوقف على عدد المهاجرين اليهود الذين ستتمكن الصهيونية من حشدهم فيها" فكلما ازداد عددهم، اتسعت مساحة الرقعة المطلوبة.
ولكن بعيدا عن هذه الشهية الصهيونية التوسعية المنفتحة النابعة من جوهر المشروع الصهيوني، فان أسبابا محددة أخرى تقف وراء محاولاتهم مد حدود الدولة المرغوبة إلى حدود فلسطين، فأنظارهم تتجه نحو الشمال إلى نهر الليطاني. يبلغ طول الليطاني من منبعه بالقرب من بعلبك إلى مصبه في البحر المتوسط شمال مدينة صور نحو 170كم ويقدر تصريفه السنوي بنحو 800 مليون متر مكعب.
وكانت أولى المحاولات الصهيونية للاستحواذ على مياه الليطاني في التصريح الذي قدمته المنظمة الصهيونية إلى مؤتمر الصلح الذي انعقد في الشهر الثاني من عام 1919. حيث جاء فيه "إن حدود فلسطين يجب أن تسير وفقا للخطوط العامة المذكورة أدناه: تبدأ في الشمال عند نقطة على شاطئ البحر المتوسط بجوار مدينة صيدا وتتبع مفارق المياه عند تلال سلسلة جبال لبنان حتى تصل إلى جسر القرعون، فتتجه إلى البيرة متبعة الخط الفاصل بين حوض وادي القرن والمنحدرات الشرقية والغربية بجبل الشيخ (الحرمون)" وجاء ضمن التصريح نفسه "كما يجب التوصل إلى اتفاق دولي تحمى بموجبه حقوق المياه للشعب القاطن جنوب نهر الليطاني".
يتضح مما سبق أن المطامع الصهيونية في الليطاني قديمة الأزل، ويقتضي هذا الحال السيطرة على وادي الليطاني. وفي 18/04/1972 نشرت صحيفة معاريف العبرية وثيقة سرية كان بن جوريون قد أعدها عام 1941، ويحدد فيها الحدود المطلوبة لدولتهم كما يلي: "إن حدود الدولة اليهودية المراد إنشاؤها تشمل شرق الأردن وأراضي النقب القاحلة، كذلك مياه نهري الأردن والليطاني يجب أن تكون مشمولة داخل حدودنا".
وفي عام 2003 عرضت شركة يهودية على الرئيس اللبناني طلب منحها امتياز استغلال المياه اللبنانية بما في ذلك نهر الليطاني لتزويد الأراضي اللبنانية بالمياه والكهرباء، ونقل الفائض منها إلى فلسطين، إلا انه رفض العرض. وبعد حرب الأيام الستة مباشرة صرح ليفي اشكول رئيس الوزراء في مقابلة صحفية مع صحيفة اللوموند الفرنسية "إن إسرائيل لا تستطيع ان تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى مياه الليطاني تذهب هدرا إلى البحر، وان القنوات في إسرائيل أصبحت جاهزة لاستقباله".
وقد وقفت الصهيونية بكل تحد أمام كل المشاريع التي تم طرحها على الحكومة اللبنانية لبناء السدود والمشاريع الإنمائية الأخرى على الليطاني.
علما بان قانون مصلحة الليطاني اللبناني اقر منذ عام 1954 دراسات علمية للاستفادة من الليطاني الاستفادة المثلى إلا أن هذه الدراسات وللأسف الشديد ضلت طي الإدراج. وقد صرح أكثر من مسئول لبناني إن التهديد الإسرائيلي المستمر هو الذي يحول دون تنفيذ المشاريع الإنمائية لنهر الليطاني.
الإطماع الصهيونية في نهر الأردن واليرموك:
لم يكن نهري الأردن واليرموك بأحسن حظا من نهر الليطاني، فهما يحتلان المرتبة الأولى للموارد المائية الصهيونية وذلك لعدة أسباب. فهما يقعان ضمن المنطقة الحدودية لدولة إسرائيل كما جاء في التصريح السابق. وأضف إلى ذلك بان الصهيونية ترى أن نهر الأردن وسهل حوران حق شرعي للدولة اليهودية يجب أن يمنحا لليهود. وقد جاء ضمن المذكرة الصهيونية "إن السهول الخصبة الواقعة إلى الشرق من نهر الأردن كانت منذ العهد التوراتي القديم مرتبطة دينيا وسياسيا واقتصاديا بالأراضي الوقعة غربي الأردن".
في عام 1884 قام الصهاينة كخطوة للسيطرة على نهر اليرموك بشراء ارض بمساحة 100 ألف دونم في جنوب سوريا، يشرف بعضها على المجرى الأعلى والأوسط لليرموك وتقع قريبة منه، وأقاموا هناك أول مستعمرة لهم قرب سحم الجولان باسم (تفئيرت بنيامين) ولكن هذه المحاولة ولأسباب عديدة فشلت في السيطرة على مياه اليرموك، ولكنها دلالة قديمة العهد على الإطماع الصهيونية.
يؤكد بن جوريون في عام 1920 ضمن رسالة منه إلى حزب العمل البريطاني "من الضروري ألا تكون مصادر المياه التي يعتمد عليها مستقبل البلاد خارج حدود الوطن القومي في المستقبل، فسهول حوران التي هي بحق جزء من البلاد، يجب إلا تنسلخ عنها، ولهذا السبب طالبنا دائما بأن تشمل ارض إسرائيل الضفاف الجنوبية لنهر الليطاني وإقليم حوران حتى اللجاة جنوب دمشق وجميع الأنهار التي تجري من الشرق إلى الغرب أو من الشمال إلى الجنوب.
إن انهار ارض إسرائيل هي الأردن الليطاني واليرموك، والبلاد بحاجة إلى هذه المياه". وفي سبتمبر من العام نفسه اتخذت الإدارة الصهيونية قرارا جاء فيه "يصر سكان فلسطين بالإجماع على أن تشمل الحدود الشمالية القسم الأسفل من الليطاني وكل منطقة وادي الأردن وروافده ومجاريه، ويطلبون من المندوب السامي البريطاني اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك".
وعندما فشلت الصهيونية في إقناع بريطانيا ضم شرق الأردن ومياهه في وعد بلفور لجأت إلى أساليب أخرى لتحقيق هذه الغاية . ففي عام 1926 وضعت يدها على نهر الأردن وذلك من خلال ما يعرف باسم "مشروع روتنبرج" ففي ذلك العام وافقت حكومة الانتداب على منح "شركة كهرباء فلسطين" التي يملكها اليهودي الروسي بنحاس روتنبرج حق استخدام كل موارد المياه على ضفتي الأردن لتوليد الكهرباء.
وقد أعطي هذا الامتياز لمدة 70 عاما. ومن ضمن ما نص عليه هذا الامتياز حرمان أي جهة من استخدام المياه في منطقة المشروع ولأي غرض إلا بموافقة الشركة. وعلى جراء هذا الحدث أصبح روتنبرج عام 1929 رئيسا للمجلس الوطني اليهودي في فلسطين. وقد كان هربرت صموئيل المندوب السامي البريطاني لفلسطين أول مدير لشركة كهرباء فلسطين، وقد ظلت الشركة تمارس حق هذا الامتياز حتى الحرب العربية-الإسرائيلية عام 1948. في عام 1946 اقترح ايونيدس ضمن مشروعه المائي تخزين فائض اليرموك في طبرية. (علما بان اليهود كانوا يخططون لان تكون طبرية ضمن حدودهم الإقليمية).
أما لودرميلك فقد قدم مشروعه المعروف باسمه بناءا على طلب الوكالة الصهيونية وأجمله في كتاب اسماه "ارض الميعاد". واقترح فيه تحويل مياه الأردن الأعلى ونهر اليرموك ووادي الزرقا لامتداد سفوح الوادي ومرج بني عامر وبيسان والجليل وبئر السبع والنقب. وخرج بتوصية قذرة جدا تنص على انه "وإذا وجد العرب انه من غير المستحب لهم السكن في ارض مصنعة، فسوف يتمكنون بسهولة الإقامة في السهل الرسوبي العظيم لوادي دجلة والفرات" وهذا يدل في طياته نظرة الاستحقار العظيمة التي يكنها للعرب اجمع.
وقد تلاه مباشرة مشروع هيس عام 1948 والذي لم يحد عن الخطوط العامة لمشروع لودرميلك بل كان بمنزلة البرنامج التنفيذي للمشروع. ان جميع هذه المشاريع التي تسعى لإمداد الدولة اليهودية بالموارد المائية اللازمة لإقامة الدولة اليهودية المتفق عليها ما كانت لتقوم لها قائمة إلا بدعم وإيحاء بريطاني-أمريكي، وليس أدل على هذا مما قاله الصهيوني العالمي همانوئيل ينومان رئيس لجنة مسح أراضي فلسطين في تقريره عام 1948 انه "لمن حسن الحظ أن الذين كانوا مسئولين عن وضع تفاصيل مشروع التقسيم كانوا على علم ومعرفة بوجهات نظر لودرميلك، وأنهم اتخذوه لحد بعيد قاعدة بنوا على أساسها حدود المناطق العربية واليهودية".
وقد غدا الكيان الصهيوني اقدر من ذي قبل على استغلال والسيطرة على المياه الأردنية بعد عام 1967 نظرا لاتساع الأراضي المحتلة، فأصبح بمقدوره الوقوف وبحزم أمام كل فرصة سانحة للدول العربية في استغلال هذه المياه. وهذا ما أكدته لجنة الشؤون العربية في البرلمان المصري في تقرير لها بهذا الشأن إذ جاء فيه "إن إسرائيل حسنت موقفها المائي من خلال احتلالها مرتفعات الجولان والضفة الغربية، وان احتلال الجولان جعل من المستحيل على الدول العربية تحويل مياه وروافد نهر الأردن. واستطاعت إسرائيل أن تتحكم في حوالي نصف طول نهر اليرموك مقارنة بحوالي 10كم فقط قبل الحرب. وهو ما أدى إلى جعل تنمية نهر الأردن رهنا بقبضة إسرائيل".
ونورد تصريح مفوض المياه الصهيوني تسميح شاي عام 1987 تعقيبا على المشروع الأردني السوري لإنشاء سد الوحدة. إذ قال "إن إسرائيل بحاجة إلى 50 مليون متر مكعب من مياه اليرموك في فصلي الشتاء والربيع و25 متر مكعب في فصل الصيف، حيث تقوم بتحويل هذه المياه إلى بحيرة طبرية لرفع منسوب المياه فيها بسبب شدة التبخر، وتخطط للسيطرة على (80 - 90) مليون متر مكعب من المياه عام 1991، وإذا قامت سوريا والأردن بإنشاء سد الوحدة على نهر اليرموك فان ذلك سيعيق تنفيذ المخطط الإسرائيلي".
ختاما نجد أن الكيان الصهيوني سيقف بقوة وحزم أمام أي فرصة إنمائية تبادر إليها الشعوب العربية المحيطة بها لاستغلال مواردها المائية، ويجب أن تقوم هذه الدول بإجراء التعاون المتبادل فيما بينها بشكل خاص وبين الدول العربية كافة بشكل عام لتوفير المشاريع الإنمائية المائية اللازمة لاستغلال المياه العربية، وسعيا لإحباط المخططات الصهيونية في المنطقة.// منقول للاستفادة
الإثنين 25 يونيو 2012, 8:35 pm من طرف الفارس
» رقص الذئاب
الإثنين 25 يونيو 2012, 8:00 pm من طرف الفارس
» رقص الذئاب
الخميس 07 يونيو 2012, 6:24 pm من طرف الفارس
» عن جريدة القلم الحر / صهاينة وطقوس ماجنة فى بيت لحم
الجمعة 27 أبريل 2012, 5:31 pm من طرف الفارس
» نص معاهدة سايكس بيكو التى يقاتل الزعماء العرب والجامعة العربية من اجل الحفاظ عليها
الأحد 01 أبريل 2012, 3:24 pm من طرف الفارس
» العودة الى مربع صفر وقهر الثورة ... مستحيل
السبت 03 مارس 2012, 4:48 pm من طرف الفارس
» عقبات الثورة المصرية والخروج الآمن من الأزمة
الجمعة 24 فبراير 2012, 7:22 pm من طرف الفارس
» ضرب الثورة العربية
الجمعة 24 فبراير 2012, 7:20 pm من طرف الفارس
» الجامعة العربية وحراسة سايكس - بيكو
الجمعة 24 فبراير 2012, 7:17 pm من طرف الفارس